فكرة من الكتاب المقدّس

دعت ملكة السلام في رسائلها، في عدّة مناسبات، إلى قراءة أسفار الكتاب المقدّس. بحسب كلماتها، فالكتاب المقدّس

  • يُشجّعنا على الصلاة،
  • يَمنحنا فهم حضور سيّدتنا بيننا،
  • يُمكّننا من فهم علامات الأزمنة،
  • يُمكّن كلمة الله من أن تسكُن في قلوبنا،
  • يُظهر كيف يُحبّ الله شعبه،
  • ويُؤدّي إلى الفرح في اللقاء مع الله الذي يحبّ مخلوقاته إلى ما لا نهاية.


تم إنشاء هذه الصفحة برغبة في مساعدة أصدقاء ملكة السلام، من خلال رسائل السيّدة العذراء، على فهم كلمة الله التي كشف عنها الكتاب المقدّس بشكلٍ أفضل.

 

رسائل السيّدة العذراء حيث تَذكُر الكتاب المقدّس – الأسفار المقدّسة

18تشرين الأول 1984

... أسألكم، اليوم، أن تقرأوا الكتاب المقدَّس في عائلاتكم، كلّ يومٍ، وأن تضعوه في مكانٍ بارزٍ يحثّكم دوماً على قراءَته وعلى الصلاة ...

 

14 شباط 1985

... على كلّ عائلةٍ أن تصلّي صلاة عائلية وأن تقرأ الكتاب المقدَّس! ...

 

25 حزيران 1991

... إن صلّيتم، سيساعدكم اللّه على اكتشاف السبب الحقيقيّ لمجيئي. لذلك، صغاري، صلّوا واقرأوا الأسفار المقدّسة لتكتشفوا من خلال مجيئي، الرسالة الموجّهة إليكم من الكتاب المقدّس. ...

 

25 آب 1993

... بالصلاة فقط تستطيعون أن تفهموا رسائلي، وتقبلوا بها، وتعملوا بها في حياتكم. إِقرأوا الكتاب المقدّس، وعيشوه، وصلّوا لكي تتبيَّنوا علامات الأزمنة. فهذا الزمن خاص، ولذلك أنا معكم لكي أُقرِّبكُم إلى قلبي وإلى قلب ابني، يسوع. صغاري الأحبّة، أرغب في أن تكونوا أولاد النور، لا أولاد الظلام. من أجل ذلك، عيشوا ما أقوله لكم. ...

 

25 آب 1996

... اسمعوا، فإنني أودّ أن أكلِّمكم وأن أدعوكم لأن يكون لديكم مزيدٌ من الإيمان والثقة بالله الذي يحبّكم بدون حدود. صغاري، أنتم تجهلون كيفيّة العيش في نعمة الله، لذلك أدعوكم جميعاً من جديد لتحملوا كلمة الله في قلوبكم وفي أفكارِكم. صغاري، ضعوا الكتاب المقدّس في مكان مرإي في عائلتكم، واقرأوه وعيشوه. وعلِّموا أولادكم، فإن لم تكونوا مثالاً لهم، يتوجه الأولاد نحو الإلحاد. فتأمّلوا وصلّوا، وعندها يولد الله في قلوبكم فيغمرها الفرح. ...

 

25 كانون الثاني 1999

... ضعوا الكتاب المقدّس في مكانٍ ظاهرٍ في عائلاتِكم. إقرأوه، وتأمّلوا فيه وتعلّموا كم يحبّ الله شعبه. ينجلي حبّه اليوم أيضاً لأنّه يرسلني لأدعوكم إلى طريق الخلاص. ...

 

25 أيلول 1999

... اليوم، أدعوكم مجدّداً لتصبحوا حَمَلَةَ سلامي. بالأخص الآن، حيث يُقال إنّ الله بعيد، بينما بالحقيقة لم يكن قط أقرب إليكم مما هو عليه الآن. أدعوكم إلى تجديد الصلاة في عائلاتكم بقراءة الكتاب المقدّس، وحتى تختبروا الفرح بلقائكم بالله الذي يحبّ مخلوقاته حبّاً لا حدود له. ...

 

كونوا النور

تقول السيدة العذراء في رسالة 25 تشرين الثاني 2001:

"لهذا، أنتم الذين تعيشون رسائلي، كونوا النور والأيدي الممدودة لهذا العالم الجاحد حتى يُقبِل الجميع إلى معرفة إله المحبّة."

نلاحظ  أن جميع رسائل السيّدة العذراء، تردّد كلام الكتاب المقدّس. هذه الرسالة تتوافق مع هذه القناعة، لأنّ عبارة "كونوا النور والأيدي الممدودة لهذا العالم الجاحد حتى يُقبِل الجميع إلى معرفة إله المحبّة" يمكن أن تكون طريقة أخرى لقول: "أنا الرّب دعوتُك في البرّ وأخذتُ بيدِكَ وجبلتُكَ عهداً للشعب ونوراً للأمم" (إش 42: 6)  و "أنتم نور العالم. لا تخفى مدينةٌ على جبل... هكذا فليضىء نوركم للناس، ليرَوْا أعمالكم الصالحة..." (مت 5: 14-16)

حتى نكون النور، علينا أن نعرف ماذا يعني النور.

موضوع النور يجتاز كل الوحي الكتابي. فصل النور عن الظلمة كان أوّل عمل مُبدع للخالق. (تك 1: 3) في نهاية التاريخ الخلاصي، الله نفسه سيكون نور الخليقة الجديدة. (رؤ 21: 5)

 

العهد القديم

في العهد القديم، الله خالق النور، ملتحف بالنور (مز 104: 2)، إنّه النور بنفسه (حك 7: 27، 29). النور هو هبه من الله؛ والله الذي

صار إنساناً في المسيح هو نور العالم.

مجيء المسيح هو الوفاء بالوعود التي أعطيت للأنبياء: "وتشرق لكم، أيّها المتّقون لاسمي، شمسُ البرّ، والشفاء في أشعّتها... (ملا 3: 20). "الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً عظيماً والمقيمون في بقعة الظلام أشرق عليهم النور." (اش 9: 1) "أنا الربّ دعوتُك في البرّ وأخذتُ بيدكَ وجبلتُكَ وجعلتُكَ عهداً للشعب ونوراً للأمم لكي تفتح العيون العمياء وتُخرج الأسير من السجن والجالسين في الظلمة من بيت الحبس." (اش 42: 6، 7)

 

العهد الجديد

في العهد الجديد، موضوع النور يتطوّر في ثلاثة اتجاهات رئيسيّة:

 

كما تنير الشمس الدرب، ينير "النور" طريقنا إلى الله. في الماضي، كان هذا هو القانون، ثم الحكمة وكلمة الله (جا 2: 13؛ مثل 4: 18-19؛ 6: 23؛ مز 119: 105)، الآن هو المسيح (يو 1: 9؛ 9: 1- 39؛ 11 يو 2: 8- 11؛ را. مت 17: 2؛ 2 قور 4: 6)، الذي يمكن مقارنته بالغيمة المضيئة منذ زمن الخروج (يو 8: 12؛ را. خر 13: 21؛ حك 18: 3).

 

كل مسيحي يُظهر الله للعالم هو أيضاً النور: "ما من أحد يوقد سراجاً ويحجبه بوعاءٍ أو يضعه تحت سرير، بل يضعه على منارة ليستضيء به الداخلون." (لو 8: 16) "لتكونوا بلا لوم ولا شائبة وأبناء الله بلا عيبٍ في جيلٍ ضالٍّ فاسد تُضيئون فيه ضياء النيّرات في الكون..." (فل 2: 15) (أنظر أيضاً: مت 5: 14- 16؛ روم 2: 19؛ رؤ 21: 24).

 

النور هو رمز الحياة والسعادة والفرح. الظلام هو رمز الموت والتعاسة والحزن (أيوب 30: 26؛ إش 45: 7؛ را. مز 17: 15). نحن نجابه ظلام العبوديّة بنور الحريّة والخلاص المسيحاني (يو؛ أف 5: 14) الذي يصل، بواسطة المسيح – النور، حتى إلى الأمم الوثنيّة (لو 2: 32؛ أع 13: 47) والذي سيتحقّق في ملكوت السموات (مت 8: 12؛ 22: 13؛ 25: 30؛ رؤ 22: 5؛ را. 21: 3- 4).

 

إزدواجيّة النور-الظلمة هي علامة لعالمَين متعاكسين، عالم الخير وعالم الشر. لذا، في العهد الجديد، تظهر "مملكتان": واحدة خاضعة للمسيح والأخرى للشيطان (2 قور 6: 14- 15؛ قول 1: 12- 13؛ أع 26: 18؛ 1 بط 2: 9). وتحاول إحداهما التغلّب على الأخرى (لو 22: 52؛ يو 13: 27- 30).

 

الناس منقسمون بين "أبناء النور" و "أبناء الظلام" (لو 16: 8؛ أف 5: 7- 8؛ يو 12: 36)، بحسب ما إذا كانوا تحت تأثير النور (المسيح) أو الظلام (الشيطان). (مت 6: 23؛ 1 تس 5: 4؛ 1 يو 1:6- 7؛ 2: 9- 10). "أمّا أنتم، أيُّها الإخوة، فلستُم في الظلمات حتى يفاجئكم ذلك اليوم مفاجأة السارق، لأنّكم جميعاً أبناءُ النور وأبناءُ النهار. لسنا نحن من الليل ولا من الظلمات. فلا ننامنَّ كما يفعل سائر الناس، بل علينا أن نسهر ونحن صاحون. فالذين ينامون إنّما هم في الليل ينامون، والذين يسكرون إنّما هم في الليل يسكرون. أمّا نحن أبناء النهار فلنكن صاحين، لابسين درع الإيمان والمحبّة وخوذة رجاء الخلاص، لأنّ الله لم يجعلنا للغضب، بل للحصول على الخلاص بربّنا يسوع المسيح الذي مات من أجلنا لنحيا معاً متّحدين به، أساهرين كنّا أم نائمين. فليشدّد بعضكم بعضاً وليَبْنِ أحدكم الآخر كما تفعلون." (1 تس 5: 4- 11)

 

"أبناء النور" معروفون بأعمالهم (رو 13: 12- 14). "بالأمس كنتم ظلاماً، أمّا اليوم فأنتم نورٌ في الربّ. فسيروا سيرة أبناء النور، فإنّ ثمر النور يكون في كلّ صلاح وبرّ وحق. تبيّنوا ما يرضي الربّ ولا تشاركوا في أعمال الظلام العقيمة، بل الأوْلى أن تشهروها." (أف 5: 8- 11)

 

يتجلّى هذا الفصل (الحُكم) بين الناس بمجيء النور، الذي يطلب من كلّ شخص أن يقرّر ما إذا كان معه أو ضدّه (يو 3: 19- 21؛ 7: 7؛ 9: 39؛ 12: 46؛ را. أف 5: 12- 13). الظلمة ستهرب قبل النور: "والنور يشرق في الظلمات ولم تدركه الظلمات." (يو 1: 5)

 

رسالة يوحنا الأولى بكاملها تطوّر موضوع النور والحبّ. إنّها أفضل تفسير لرسالة العذراء: "وما نعرف به أنّنا نعرفه هو أن نحفظ وصاياه. من قال: "إنّي أعرفه" ولم يحفظ وصاياه كان كاذباً ولم يكن الحقّ فيه. وأمّا من حفظ كلمته فإنّ محبّته لله قد اكتملت فيه حقًّا. بذلك نعرف أنّنا فيه. من قال إنّه مقيم فيه وجب عليه أن يسير هو أيضا كما سار يسوع. أيّها الأحبّاء ليس بوصيّة جديدة أكتب إليكم بل بوصيّة قديمة هي عندكم منذ البدء. وهذه الوصيّة القديمة هي الكلمة التي سمعتموها. على أنّها أيضاً وصيّة جديدة أكتب بها إليكم. وذالك حقٌّ في شأنه وفي شأنكم لأن الظلام على زوال والنور الحقّ أخذ يضيء. من قال إنّه في النور وهو يبغض أخاه لم يزل في الظلام إلى الآن. من أحبّ أخاه أقام في النور ولم يكن فيه سبب عثرة. أمّا من أبغض أخاه فهو في الظلام وفي الظلام يسير فلا يدري إلى أين يذهب لأنّ الظلام أعمى عينيْه." (1 يو 2: 3- 11)

 

"والصدّيقون يُشعّون حينئذٍ كالشمس في ملكوت أبيهم. فمن كان له أذنان فليسمع!" (مت 13: 43)

 (را. مفردات لاهوت الكتاب المقدس؛ الكتاب المقدّس – نسخة القدس)

 

معجزة

قالت السيدة العذراء في رسالة 25 نيسان 2001:

"صغاري، الصلاة تفعل المعجزات"

مفهوم المعجزة القادمة من عند الله هي لبعض المسيحيين فكرة تنتمي إلى الماضي، بينما يركض آخرون خلف معجزات كاذبة. هذان الموقفان المتعاكسان لهما نفس الأصل: الفكرة القائلة بأن المعجزة يمكن اختزالها بتحدّي القوانين الطبيعية، ونسيان دورها كإشارة في متناول كل إنسان.

الكتاب المقدّس يُبيّن في كل مكان يد الله الذي يُظهر قوّتَه ومحبّتَه. العالم المخلوق "رائع" (مز 89، 6) وهو "علامة" (مز 36)، تمامًا مثل تدخّلات مميّزة لله في التاريخ، لتجديد الخلق (عد 16، 30؛ اش 65، 18). الكتاب المقدّس يدعو المؤمن إلى ما هو جوهري، وهو المدلول الديني للوقائع.

 

المعجزات في العهد القديم

في العهد القديم، تحصل المعجزات في لحظات مهمّة من تاريخ الأشخاص المختارين: فهي مرتبطة بموسى وبخليفته يشوع عند تأسيس شعب الله ووضعهم في أرض الميعاد. وحدثت مع إيليا ومع تلميذه إليشع، الذي جدّد العهد الذي أبرمه موسى.

 

بالنسبة لأصحاب القلوب المنفتحة، فالمعجزات دائماً تُوقِظ الإيمان والثقة والامتنان والتواضع والطاعة والرجاء ومخافة الله وتقوّيها. (مز 105/104، 5). أمّا بالنسبة لأولئك الأشخاص، مثل فرعون، الذين لم يتوقّعوا أي شيء من إله غير معروف، فقد أحدثَت مفعولاً معاكسًا (خر 7، 13).

 

وقد أُعجِبَت الأمّة الإسرائيليّة بأسرها بعظمة إيمان إبراهيم الذي حصل على ما هو مستحيل بشريًّا: ولادة ذُرّيّة (تك 15، 6؛ رو 4، 18-22).

 

المعجزات في حياة يسوع

من خلال المعجزات التي عملها يسوع، فقد أكّد البشرى السارّة وأظهرَ، في شخصه، أن الملكوت المسيحانيّ المُعلن قد أتى. لقد غفر الخطايا (مر 2، 5- 12)، وكان أعظم من السبت (مر 3، 4؛ 13، 15)، أعلن ملكوته المسيحانيّ (مت 14، 33؛ يو 1، 49)، لقد أرسله الآب (يو 10، 36)، وقد طلب الإيمان به (مت 8، 10- 13؛ 15، 28). عندما أقام يسوع لعازر، ابتهل إلى الآب، وصَلّى، وهو يعلم أنّ الآب سيستجيب له: "شكراً لكَ، يا أبتِ على أنّك استجبتَ لي وقد علمتُ أنّكَ تستجيبُ لي دائماً أبداً ولكنّي قُلتُ هذا من أجل الجمْع المُحيط بي لكي يؤمنوا أنّك أنتَ أرسلتني." (يو 11، 41- 42)

 

كان لا بد من قبول أخبار الملكوت السارّة - التي بشّر بها يسوع والتي تجسّدت في شخصه - من خلال الاهتداء والإيمان (مر 1، 15). تكلّم إنجيل يوحنا عن "علامات" كان هدفها أن تجعل يسوع معروفاً كمُرسل من الله (يو 3، 2؛ 9، 16؛ 10، 36) كنبيّ (يو 4، 19)، أنّه المسيح (يو 7، 31)، وابن الإنسان (يو 9، 35-38). أولئك الذين رأوا "علامات" (يو 6، 36؛ 7، 3؛ 15، 24) ورفضوا أن يؤمنوا (يو 7، 5؛ 12، 37) لم يكُن لديهم عذر (يو 9، 41؛ 15، 24).

 

إذا رفض كثيرون "شهادة" العلامات (يو 5، 36)، فهذا لأنّهم كانوا معميّين (9، 39؛ 12، 40) بسبب تخدّرٍ روحي، أو كبرياء، أو غيرة أو حكمة زائفة (6، 15-26؛ 5، 16؛ 7، 49-52؛ 9، 16؛ 12، 11؛ 11، 47). لم يعرفوا لا التسليم لله ولا الانفتاح عليه وقد جعلوا يسوع، عاجزاً (مت 13، 58). كيف كان لهم أن يتعرّفوا إلى "علامات الأزمنة"، علاماته (مت 16، 3) إذا كانوا قد طلبوا آيات فقط لاختبار يسوع (مت 16، 1) ومعجزاته المنسوبَة إلى الشيطان، بدلاً من الاعتراف بأنّ لديه قوّة خارقة (مر 3، 22.29)؟ بالنسبة للقلوب المغلَقة التي لا تريد أن تسمع الكلمة، فعلاماته غير مفهومة.

 

قال يسوع: "لن يُعطى هذا الجيل أيّ أية إلاّ آية يونان" (مت 12، 39)، وقد أعطى الذين كانوا ضدّه موعداً - يومَ قيامته. كانت القيامة العلامة الأكثر لمعاناً، لكن أيضاً أسهل ما يمكن إنكاره، بما أنّ إمكانيات التحقّق كانت فقط غير مباشرة: القبر الفارغ، ظهورات للبعض (مت 28، 13؛ لو 24، 11). الدعم الرئيسي للإيمان هو اختباره الأصيل.

 

في الكنيسة

بعد القيامة، والصعود وتدفّق الروح القدس، بقي يسوع مع تلاميذه إلى الأبد، وهم أيضاً صنعوا آيات صنعها هو (أع 3، 1): أعطاهم يسوع القوّة وأمرَهم بأن يفعلوا ذلك. (مر 16، 17؛ مت 10، 8).

 

تُظهر المعجزات نوعيّة أولئك المُرسَلين: صمودهم (2 كور 12، 12)، ويقينهم ولامبالاتهم (1 تس 2، 2-12). هكذا يمكن التمييز بين الأنبياء الأصحاء والكذبة (أع 8، 9-24؛ 13، 4-12). كل شيء يأتي من قوّة الروح القدس (1 تس 1، 5؛ 1 كور 2، 4؛ روم 15، 19).

 

تبقى هذه اللغة، حتى في يومنا هذا، غير مفهومة لدى القلوب المغلقة والمتكبّرة، ولكنها مقبولة من الذين يعلمون أنّه "ما من شيء يُعجز الله" (تك 18، 14 = لو 1، 37).

 

(راجع: كزافييه ليون-دوفور: مفردات لاهوت الكتاب المقدس)

 

 

أحبّوا بعضكم بعضاً

تقول السيّدة العذراء في رسالة 25 تشرين الأول 2001:

"أدعوكم اليوم أيضاً لتصلّوا من صميم قلوبكم ولتحبّوا بعضكم بعضاً. صغاري، أنتم مختارون لتشهدوا للسلام والفرح."

 

العهد القديم

كما جاء في العهد القديم ومذّاك، فإنّ وصية محبّة الله قد أُكمِلَت بـ "الوصية الثانية" - "أحب قريبك كنفسك". (أح 19،18)

في أقدم النصوص، كان مرئيًّا بالفعل أن اللامبالاة أو العداوة تجاه القريب تسيء إلى الله نفسه (تك 4)، والشريعة هي أيضاً تتكلّم عن العلاقات الإنسانيّة (خر 20: 12-17) والعلاقات تجاه الفقير (خر 22: 20-26؛ 23: 4-12) التي تؤمِّن السلام في المجتمع وفي الأمّة. تسير النبوءات وكتب الحكمة في نفس الاتجاه: الإنسان لا يستطيع إرضاء الله إذا لم يحترم الآخرين، خاصّةً أولئك الذين هم "أقل إثارة للاهتمام" (عا 1 و2، إر 9: 2-5؛ حز 18: 5-9، ملا 3: 5؛ مثل 14: 21؛ 1: 8-19؛ سي 25: 1؛ حك 2: 10).

 

إشعيا متطلّب كثيراً، عندما يقول في 1: 15-19: "فحين تبسطون أيديكم أحجُب عينيَّ عنكم وإن أكثرتُم من الصلاة لا أستمع لكم لأنّ أيديكم مملوءة من الدماء. فاغتسلوا وتطهّروا وأزيلوا شرّ أعمالكم من أمام عينيّ وكفّوا عن الإساءة. تعلّموا الإحسان والتمسوا الحقّ، قوّموا الظالم وأنصفوا اليتيم وحاموا عن الأرملة. تعالوا نتناقش، يقول الرب لو كانت خطاياكم كالقرمز تبيَضُّ كالثلج ولو كانت حمراء كالأرجوان تصير كالصوف. إن شئتُم أن تسمعوا فإنّكم تأكلون طيّبات الأرض."

 

ونادراً ما يسمّى هذا الواجب محبّة القريب (أح 19: 18؛ 19: 34؛ تث 10: 19)

 

التقليد اليهودي

قبل مجيء المسيح، عمّقت اليهوديّة أهميّة طبيعة المحبّة الأخوية: وتتضمّن محبّة القريب حتى العدوّ، يهوديّاً كان أم وثنيّاً. تصبح المحبّة أكثر وأكثر شموليّة. يقول هليل: "عِش السلام، إبحث عن السلام. أحبّ جميع المخلوقات وقُدْها إلى الشريعة."

 

العهد الجديد

محبّتان

من طرف إلى آخر في العهد الجديد، محبّة القريب لا تنفصل عن محبّة الله – هاتان الوصيّتان هما النقطة الأسمى ومفتاح الشريعة (مر 12: 28-33). المحبّة الأخويّة هي إنجاز جميع المطالب الأخلاقيّة (غل 5: 14؛ رو 13: 8؛ كول 3: 14). إنها في الحقيقة الوصيّة الوحيدة (يو 15: 12؛ 2يو 5)، والعمل الوحيد للإيمان الحيّ (غل 5: 6-22؛ 1يو 4: 20؛ 5: 2). سيُحكم علينا بحسب المحبّة: "لي قد صنعتموه" (مت 25: 31-46). وصيّة يسوع نفسه هي الحب: "أحبّوا بعضكم بعضاً كما أحببتُكمُ" (يو 13: 34)

 

مصدر الحبّ

ترتبط الصلاة والسلام والفرح ارتباطاً وثيقاً. نستطيع أن نصلّي فقط بالاتحاد مع يسوع، الذي هو الحبّ. سوف نجد السلام فقط إذا صلّينا وأحببنا بكلّ قوّتنا (بكلام آخر، إذا تقيّدنا بالوصايا). يأتي الفرح من الحب، لكن لا نستطيع أن نُحبّ بقوّتنا الإنسانيّة. "اثبتوا فيّ وأنا أثبت فيكم. وكما أنّ الغصن، إن لم يثبُت في الكرمة لا يستطيع أن يُثمر من نفسه فكذلك لا تستطيعون أنتم أن تُثمروا إن لم تثبتوا فيّ. (يو 15: 4) "كما أحبّني الآب فكذلك أحببتكم أنا أيضاً. اثبتوا في محبّتي. إذا حفظتُم وصاياي تثبتون في محبّتي كما أنّي حفظتُ وصايا أبي وأثبُتُ في محبّته. قلتُ لكم هذه الأشياء ليكون بكم فرحي فيكون فرحكم تامًّا." (يو 15: 9- 11)

 

كيف نثبت فيه؟ يقول لوقا 10: 38-42: "جلست مريم عند قدميّ الرب تستمع إلى كلامه" بينما "كانت مرتا منشغلة بتحضيراتِ كثيرة ومضطربة". لا يلوم يسوع مرتا لأنّها كانت تخدُم، لكن لأنّها "كانت مُشتّتة"، "قلقة ومضطربة من أمور كثيرة". أمّا المحبّة الحقيقيّة فهي هادئة وسلاميّة. وقد ألّف القدّيس بولس نشيداً عنها (1 كور 13):

 

نشيد المحبّة

"لَوْ كُنْتُ أَنْطِقُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَة وَلَمْ تَكُنْ فِيَّ الْمَحَبَّةُ فَإِنَّمَا أَنَا نُحَاسٌ يَطِنُّ أَوْ صَنْجٌ يَرِنُّ.  وَلَوْ كَانَتْ لِيَ النُّبُوَّةُ وَكُنْتُ أَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَالْعِلْمَ كُلَّه وَلَوْ كَانَ لِيَ الإِيمَانُ كُلُّهُ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَال وَلمْ تَكُنْ فِيَّ الْمَحَبَّةُ فَلَسْتُ بِشَيْءٍ. وَلَوْ بَذَلْتُ جَمِيعَ أَمْوَالِي لإِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ وَأَسْلَمْتُ جَسَدِي لأُحْرَقَ وَلَمْ تَكُنْ فِيَّ الْمَحَّبةُ فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً.

أَلْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحبَّةُ لاَ تَحْسُدُ وَلاَ تَتَبَاهَى وَلاَ تَنْتَفِخُ وَلاَ تَأْتِي قَبَاحَةً وَلاَ تَلْتَمِسُ مَا هُوَ لَهَا وَلاَ تَحْتَدُّ وَلاَ تَظُنُّ السُّوءَ وَلاَ تَفْرَحُ بِالظُّلْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِ وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. أَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَداً. أَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ وَالأَلْسِنَةُ تَزُولُ وَالْعِلْمُ يُبْطَلُ.

فَإِنَّا نَعْلَمُ عِلْماً نَاقِصاً وَنَتَنَبَّأُ تَنَبُّؤاً نَاقِصاً فَمَتَى جَآءَ الْكاَمِلُ يُبْطَلُ النَّاقِصُ. إِنِّي لَمَّا كُنْتُ طِفْلاً كُنْتُ أَنْطِقُ كَالطِّفْلِ وَأَعْقِلُ كَالطِّفْلِ وَأُفَكِّرُ كَالطِّفْل فَلَمَّا صِرْتُ رَجُلاً أَبْطَلْتُ مَا هُوَ لِلطِّفْلِ. لأَنَّا الآنَ نَنْظُرُ فِي مِرْآةٍ عَلَى سَبِيلِ اللُّغْزِ أَمَّا حِينَئِذٍ فَوَجْهاً إِلَى وَجْهٍ.

إِنِّي أَعْلَمُ الآنَ عِلْماً نَاقِصاً أَمَّا حِينَئذٍ فَسَأَعْلَمُ كَمَا عُلِمْتُ. وَالَّذِي يَثْبُتُ الآنَ هُوَ الإِيمَانُ وَالرَّجَآءُ وَالْمَحَبَّةُ هَذِهِ الثَّلاثَةُ وَأَعْظَمُهُنَّ الْمَحَبَّةُ."

 

النعمة

تقول السيّدة العذراء في رسالة 25 شباط 2001:

"... هذا زمن نِعَم.

لذلك، صلّوا، صلّوا، صلّوا، إلى أن تُدركوا محبّة الله لكلّ واحدٍ منكُم..."

 

معنى الكلمة

الكلمة اليونانيّة charis، التي معناها النعمة، ليست مسيحيّة الأصل: يمكن أن نجدها في العهد القديم، لكنّها تجد معناها الكامل فقط في العهد الجديد. هذه الكلمات تعني التجديد الذي يأتي مع يسوع المسيح: العهد القديم كان زمن الشريعة، أمّا العهد الجديد فهو زمن النعمة (رو 6، 14؛ يو1، 17).

النعمة هي عطيّة الله التي تحتوي على جميع العطايا الأخرى: النعمة هي يسوع المسيح نفسه (رو 8، 32). النعمة هي العطيّة التي تُشعّ كرم الذي يُعطي وتلفّ بالكرم الشخص الذي يتلقّاها.

الكلمة العبريّة hen تعني، قبل كل شيء، اللطف – ثم التعبير الملموس لهذه اللطافة. الكلمة اليونانيّة charis تعني، أوّلاً، شعاع الجمال – ثمّ الشعاع الداخلي للصلاح، وأخيراً العطايا التي تعبّر عنهما.

 

النعمة في العهد القديم

يدعو الله نفسه "إلهاً رحيماً ورؤوفاً، طويل الأناة كثير الرحمة والوفاء" (خر 34، 6). نعمة الله هي الرحمة التي تحنو على البائس (hen)، هي الوفاء الكريم (hesed)، والصلابة الثابتة تجاه الارتباط (emet)، إنّها حنان القلب والتعلُّق بالذين يُحبّهم الله (rahamim)، والعدالة اللامتناهية (sedeq) القادرة على أن تضمن لجميع المخلوقات مِلءَ حقوقهم وعلى تحقيق جميع توقّعاتهم. إذا كان الله سلاماً وفرحاً، فهذا نتيجة نعمته: "اللهم ما أثمن رحمتك! إن بني آدم يعتصمون بظل جناحيك. من دسم بيتك يشبعون ومن نهر نعيمك تسقيهم" (مز 36، 7-8)، لأنّ "أطيب من الحياة رحمتك" (مز 63، 4). الحياة - الأثمن بين جميع الأمور - تتلاشى مقابل اختبار نبع كرم الله، الذي لا ينضب. كرم الله ليس بدون هدف. لا يسكب غناه بشكلٍ أعمى، من دون معرفة ما يعمل به. الهدف من اختيار الله هو العهد: النعمة تختار، هي تُعطي نفسها، وهي علامة اهتمام – هي تربط نفسها بالشخص التي تختاره، تتوقّع ردّاً، واهتماماً ومحبّة. كتاب تثنية الاشتراع يتكلّم عنها (تث 6، 5-12؛ 10، 12؛ 11، 1). تبحث نعمة الله عن شركاء، وتبادل، وتعاون.

 

نعمة الله تُظهر نفسها في يسوع المسيح

يُظهر مجيء يسوع المسيح إلى أي مدى يمكن لكرم الله أن يصل: حتى يهبنا ابنه الوحيد (رو 8، 32). مصدر ذلك هو مزيج من الحنان والإخلاص والرحمة التي من خلالها يُحدّد يهوه نفسَه، والتي تأخذ في العهد الجديد اسم charis، النعمة. جميع الرسائل الرسوليّة تقريباً تبدأ بذكر نعمة الله، وهي دائماً تقريباً مصحوبة بسلامه، وتُظهِر، بالنسبة للمسيحيّين، أنها الأعلى بين العطايا، عطيّة تحتوي كلّ عمل الله وكل ما يمكن أن نتمنّاه لإخوتنا.

في شخص يسوع المسيح "النعمة والحق صارا" (يو 1، 17)، لقد رأيناه (يو 1، 14) وقد عرفنا الله في ابنه الوحيد (يو 1، 18). بالنظر إلى يسوع المسيح، قد رأينا أنّه "قد ظهرت نعمة الله، ينبوع الخلاص لجميع الناس" (طي 2، 11؛ 3، 4).

 

خصوصيّة النعمة

"نعمته علي لم تذهب سدى" (1قور 15، 10). هي تقود الإيمان نحو العمل (1 تس 1، 3؛ غل 5، 6) وتجلب الثمار (قول 1، 10) بالأعمال الصالحة "التي أعدّها الله بسابق إعداده لنمارسها" (أف 2، 10). بالنسبة للرسل، النعمة هي نبع فعاليّة لا ينضب (أع 14، 26؛ 15، 40)؛ تجعل من بولس ما هو عليه، تفعل فيه كل ما يفعله (1كور 15، 10)، بحيث يكون أكثر ما هو شخصي فيه، "ما هو عليه"، هو تحديداً عمل هذه النعمة.

لأنّ نعمة الله هي المبدأ للتحوّل والعمل، فهي تتطلّب تعاوناً دائماً. "وأما وقد أعطينا تلك الخدمة رحمة، فلا تفتر همّتُنا" (2 قور 4، 1)، دائماً "في نعمة الله" (2 قور 1، 12)، مستعدّين للاستماع إليها (رو 15، 15). لسنا محرومين أبداً من النعمة، هي دائماً "كافية"، حتى في أصعب اللحظات، لأنّه حينها تتجلّى قوّتها (2 كور 12، 9).

هكذا تُوَلِّدُ النعمةُ حياةً جديدة (يو 3، 3)، حياة الروح التي تحيي أبناء الله (رو 8، 14- 17). بحسب القديس بولس، المسيحي هو "المدعو بنعمة المسيح" (غل 1، 6)، هو "مقيمٌ في هذه النعمة" (رو 5، 2)، هو يحيا تحت حكمها (5، 21؛ 6، 14). إنّها الحياة بكل ما للكلمة من معنى، حياة أولئك الذين، إذ "قاموا من بين الأموات"، يحيون حياة جديدة مع المسيح القائم (رو 6، 4. 8. 11. 13).

اختبار الحياة هذا هو اختبار الروح القدس (رو 6، 14؛ 7، 6). الإنسان المُحَرَّر من الخطيئة يُخرج ثمار التطهير (6، 22؛ 7، 4). الروح القدس، أعظم عطيّة من الله (أع 8، 20؛ 11، 17) "وهذا الروح نفسه يشهد مع أرواحنا بأننا أبناء الله" (رو 8، 16)، تلك النعمة تجعلنا حقّاً أبناء الله، ونستطيع أن ندعو الله أبانا: أبّا. هذا هو التبرير الذي يأتي من النعمة (رو 3، 23): أمام الله نستطيع أن نكون ما يتوقّعنا أن نكونه، أبناء وبنات أمام الآب (رو 8، 14- 17؛ 1يو 3، 1).

إذ يجد المسيحي في نعمة الله مصدر أعماله كلِّها، فهو يجد الموقف الصحيح تجاه الكل، هو يعيش فخراً حقيقيّاً دون أن يبحث عن مجده في الممتلكات، بل في حقيقة أنّه قد حصل على كلّ شيء بالنعمة: الصلاح قبل كلّ شيء. الفخر والنعمة: يحبّ بولس أن يربط بين هاتين الكلمتين (رو 4، 2؛ 5، 2؛ 2كور 12، 9؛ أف 1، 6).

بنعمة الله، يستطيع الإنسان أن يكون على ما هو عليه.

 

الصلاة والصوم من أجل السلام

تقول السيّدة العذراء في رسالة 25 أيلول 2001:

"... صلُّوا وصوموا ليعطيكم الله السلام..."

الصلاة والصوم من أجل السلام كانتا جوهر حياة الأب سلافكو بارباريتش كلّها، وذلك منذ اليوم الذي دخل فيه في خدمة رسائل السيّدة العذراء. كتب الأب سلافكو في كتابه الأخير: "صوموا من القلب"، عن الصوم والصلاة من أجل السلام بشكلٍ خاص. لنقرأ بعض المقاطع من هذا الكتاب:

مريم هي ملكة الأنبياء

  • جميع الأنبياء دعوا إلى الاهتداء والصوم والصلاة كشروط للسلام. ليس لديها أيّ وسيلة أفضل أو مختلفة عن تلك التي دعا بواسطتها الأنبياء إلى السلام، وهي: الاهتداء والصلاة والصوم والإيمان الراسخ.
  • من خلال دعوتنا للصوم يومين في الأسبوع، تبقى مريم في تقاليد أمّتها الإسرائيليّة وتذكّرنا بتقليد قرون للكنيسة الشرقيّة والغربيّة.
  • بينما المجمع الفاتيكاني الثاني يدعو الجميع إلى العودة إلى "المصدر"، علينا الاعتراف بأنّنا لم نكتشف الصوم، عوضاً عن ذلك، العكس قد حدث. في العقود الماضية، قد خُفّض الصوم إلى أقلّ قدر ممكن – إلى يومين في السنة: أربعاء الرماد والجمعة العظيمة.
  • لم تقدّم الظهورات في مديوغوريه شيئاً جديداً ولا كشفت عن شيء غير معروف. بدلاً من ذلك، قد ساعدتنا أن نقبل ما قد طلب الله منّا من خلال الأنبياء، وهو ما فعلته مريم وفعله يسوع نفسه.

 

في إلهام الكتاب المقدّس، يرتبط الصيام بالدعوة إلى الصلاة والاهتداء

  • الأنبياء صاموا قبل قبول خدمتهم كأنبياء وقبل الإلهامات المميّزة. الأفراد صاموا في ظروف متعدّدة في الحياة – من فرح وامتنان وحزن وإثم. حتى الأمّة بأسرها قد صامت تحضيراً لأعياد معيّنة، حتى يخلصوا من كارثة أو يخرجوا من كارثة لدى الوقوع فيها.
  • (الصوم والرؤيا: خر 34، 27-28؛ تث 9، 9-11؛ دا 10، 1-8. رثاء الذنوب: 1صم 7، 3-6؛ ا مل21، 20-29؛ دا 9، 3-5. الصوم في وقت الحزن: 1 صم31، 11-13؛ 2صم 1، 11-12؛ 1 أخ 10، 11-12. الصلاة والصوم من أجل الشفاء: 2صم 12، 13-17. الصوم والشفاء الداخلي في اختبار الله: 1مل 19، 6-13. الصوم وخطر الحرب: 2 أخ 20، 2-4؛ يهو 4، 12-13؛ 1مك 3، 44. 47؛ 2مك 13، 11-12؛ يو3، 4-9. الصلاة والصوم من أجل البركة ورحلة آمنة: عز 8، 21-23. الصوم بعد تدمير الحرب: نح 1، 3-4. الصوم بعد العودة إلى الله الحقيقي: نح 9، 1-2. الصوم، والصلاة، والصدقة والنزاهة: طو 12، 8. الصوم مدى الحياة بسبب الحزن: يه 8، 5-6؛ لو2، 36-38. الصوم بطريقة مُحطّمة للناس: اس4، 1- 3. 15- 16، 17ك. الصوم في المزامير: مز35، 13؛ مز 69، 11-12؛ مز 109، 24-25؛ سي34، 26. معنى الصوم – علاقة جديدة: اش58، 1-6؛ ار14، 11-12؛ زك7، 4-5؛ زك8، 18-19. الصوم والتحضير لسماع كلمة الله: ار36، 5-7. الاستجابة إلى كلمة الله بالصلاة والصوم: با 1، 3-6. الصوم والصلاة كمخرج من حالة خطيئة شائعة: يوء 1، 13-14؛ يوء 2، 12-15؛ صوم يسوع: متى4، 1-11. يسوع يتكلّم عن الصوم: متى6، 16-18؛ لو18، 10-14؛ متى9، 14-15؛ مر2، 18-20؛ لو5، 33-35. الصوم والصلاة يقوّيان الإيمان: متى17، 20-21. الصوم والصلاة يُستعملان ضد الشيطان: مر9، 25-29. الصوم والصلاة قبل الإرسال إلى الخدمة: أع 13، 2-3؛ أع 14، 21-23. القديس بولس يصوم: 2كور6، 3-8؛ 2كور 11، 25-28).

 

الصوم والسلام

  • السلام هو ثمرة الروح.
  • التوق الأعمق لقلب الإنسان هو بالحقيقة للسلام. في كلّ شيءٍ نفعله، سواء كان جيّداً أو سيّئاً، نحن نبحث عن السلام. عندما يحبّ الإنسان، يبحث عن السلام ويختبره، أو حتّى عندما يكره ويريد الانتقام، هو يسعى إلى السلام. عندما يبقى متّزناً أو يحارب ضدّ الإدمان، هو يسعى إلى السلام. عندما يصبح ثملاً، هو يسعى أيضاً إلى السلام. عندما يكافح من أجل حياته وحياة الذين يحبّهم، هو يُدرك السلام. حتى عندما يرفع يده ضدّ نفسه وينتحر أو يقتل أحداً، مجدّداً هو يسعى إلى السلام. لذلك، كل قرار للإنسان، هو في جوهره، قرار للسلام. بكل وضوح عندما يتمُّ فعل الخير، يتحقّق السلام الشخصي والسلام للآخرين. من ناحية أخرى، عندما يُقترف الشرّ، إنه بحث عن سلام المرء على حساب سلام الآخرين.
  • من منظور آخر، نستطيع أن نرى أننا غالباً ما نفقد السلام لأنّنا مغرورون وأنانيّون وحاسدون وغيورون وجشعون وتستهلكنا القوّة والشرف. تؤكّد الخبرة أنّه من خلال الصوم والصلاة، يتمّ التغلّب على الشرّ والغرور والأنانيّة؛ ينفتح القلب و يكبر الحب والتواضع والكرم والصلاح. وهكذا تتحقّق الشروط الحقيقيّة للسلام. من لديه السلام، لكونه يحبّ ويغفر، يبقى أيضاً معافى روحيًّا وجسديًّا. وهو يبقى قادراً على تشكيل حياته بطريقة تليق بالإنسان، الأكثر سموًّا بين مخلوقات الله. من خلال الصوم والصلاة، تتقلّص الاحتياجات الإنسانيّة أيضاً وتُختصر إلى ما يناسب. وفي هذا أيضاً، تُخلق شروط السلام بالتوازي مع علاقة سليمة مع الآخرين ومع الأمور الماديّة.
  • لذا يحصل سوء تفاهم حول "حين يُختبر الصوم بطريقة سلبيّة"، كتخلّي عن شيء: أي، عندما لا تُدرك منفعته على المستوى الروحي. لهذا السبب، من غير الممكن الكلام عن استبدال الصوم بالأعمال الحسنة أو أي شيء آخر. في هذا السياق، نستطيع أن نفهم لماذا الوعد بالسلام يكون دائماً بعد الاهتداء وبعد الصوم والصلاة.
  • هكذا، من خلال الصوم يفهم الشخص ما الذي عليه أن يحاربه في نفسه. بهذه الطريقة، يُحرَّر اللاوعي لدينا أيضاً من كل شيء يقودنا إلى عدم الارتياح والاضطراب. عندها، تصبح النفس ساكنة وتُدرَك الشروط من أجل السلام. النص التالي
    يقدّم بشكل جميل صورة لهذه المعركة:
  • "عندما يريد الملك أن يحتلّ مدينة العدو، يستولي في البداية على مصدر المياه ويوقف كل مورد. عندما يبدأ السكان بالموت من الجوع والعطش، يستسلمون له. هكذا هي الحال في الرغبات الجسديّة: عندما يجابهها المؤمن بالصوم والجوع، يخسر أعداء الروح القوّة."
  • تؤكّد الخبرة بوضوح أنّه من دون معركة ضد أعداء السلام الداخليّين، مستحيل أن نصل إلى السلام. لذلك، فالصوم هو وسيلة مُختبرة وموثوق بها جدّاً. وهذا هو السبب أيضاً في أنه ليس من باب الصدفة أن يكون جميع الأنبياء، ويسوع ومن ثمّ تقليد الكنيسة بأكمله، قد دعوا الإنسان إلى الصوم والصلاة، حتى يتمكّن من الانفتاح على السلام الحقيقي. المشكلة هي أن الإنسان يميل إلى أن يلحق طريق الأنبياء الكذَبة الذين يعدون بسلام سهل وهو في الحقيقة غير موجود.

 

الصوم والصلاة

  • الصوم والصلاة والأعمال الحسنة عادةً تُذكر معاً من قِبَل اليهود والمسيحيين. الصلاة لا تسبق الصوم، والأعمال الحسنة مستقلّة عنهما، وكأن شيئاً ما يربطها من داخلها. الفهم الأكثر اكتمالاً للصلاة يقدّم بشكل خاص من خلال علاقته بالصوم. عندما ننظر باختصار إلى ما يُقال عن الصلاة وكيف يتمّ تعريفها، نستطيع أن نرى أن التركيز هو أكثر، بطبيعة الحال، على حالة القلب والروح وأقلّ على الجسد كتعبير مُحتمل عن الصلاة أو عن الصلاة عموماً.
  • الردّ على هذا السؤال، "ما هي الصلاة؟" موجود في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية. هو تعريف القدّيسة تريزيا الطفل يسوع: "بالنسبة لي، الصلاة هي اندفاع القلب؛ هي نظرة بسيطة إلى السماء، إنّها صرخة تقدير وحبّ، احتضان الحبّ والفرح." هي أيضاً تعريف القدّيس يوحنا الدمشقي: "الصلاة هي ارتفاع العقل والقلب نحو الله أو طلب الخير من الله."
  • في الدرجة الأولى، الحديث مع الله كفعل روحي يضحي مُركّزاً أكثر. على أيّ حال، هناك أيضاً الممارسة والاختبار بحيث أن الأفكار والمحادثة والأفعال الروحيّة ليست وحدها ضمن الصلاة، ولكن الجسد أيضاً. تُصبح الصلاة مُكتملة أكثر بواسطة الجسد والحركة، التي ترافق كلمات الصلاة. يدعم الجسد وحركته الصلاة جاعلَينها أكثر اكتمالاً وتعبيراً بحيث يمكنها أن تشمل بسهولة أكثر الشخص بأكمله.
  • اتحاد الجسد والروح في الصلاة يتجلّى بشكلٍ خاص في الصوم والصلاة. الصوم الجسدي يجعل الصلاة أكثر اكتمالاً. فالشخص الذي يصوم يصلّي أفضل والشخص الذي يُصلّي يصوم بسهولة. بهذه الطريقة، لا تبقى الصلاة فقط كتعبير أو كلمات، لكن تشمل الإنسان بأكمله. الصوم الجسدي هو اعتراف لله أمام الناس بأن المرء لا يستطيع القيام بذلك بمفرده، ويحتاج إلى المساعدة. يختبر الإنسان عجزه بسهولة أكثر عندما يصوم ولهذا، عن طريق الصوم الجسدي، تكون النفس أكثر انفتاحاً على الله. من دون الصوم، تبقى كلمات صلاتنا بدون أساس حقيقي. في العهد القديم، صام المؤمنون وصلّوا منفردين وضمن جماعات وفي مختلف ظروف الحياة. لذلك، فهم يختبرون دائماً مساعدة الله (راجع عز 8،21-23؛ 2أخ 20، 12) ينسب يسوع قوّة خاصّة إلى الصوم والصلاة، خاصّةً في المعركة ضدّ الأرواح الشرّيرة (راجع مك 9، 29). وتوجد الممارسة ذاتُها في تقليد الكنيسة الكاثوليكيّة وهي أكثر وضوحاً في قوانين جميع المنظمات والجماعات الدينية. كتب القدّيس برنارد عن العلاقة بين الصوم والصلاة قائلاً: 
  • "سأقول لكم شيئاً سوف تفهمونه بسهولة وقد اختبرتموه غالباً، إذا لم أكُن مخطئاً: الصوم يُعطي حتميّةً للصلاة ويجعلها متّقدة... بواسطة الصلاة، تُكتسب القوّة للصوم ومن خلال الصوم تُكتسب نعمة الصلاة. الصوم يقوّي الصلاة والصلاة تقوّي الصوم وتقدّمه إلى الربّ."
  • هذا جليّ إذ بواسطة الصوم يصبح الشخص أكثر تيقّظاً وانفتاحاً على الله وعلى ما هو روحيّ. وللسبب نفسه، الصوم مرتبط بالإفخارستيّا. فبينما يمارس الإنسان التخلّي ويعيش لفترة من الزمن على الخبز، فهو يحضّر نفسه للّقاء مع الخبز الإلهي. هذا اللقاء المميّز مع الله، بشكل خاص فيما يتعلق بالإفخارستيّا، هو دليل على كم أنّ الصيام إيجابي بحدّ ذاته وكم أنّه يُمَكِّننا من تحقيق هدف الصلاة الأساسي، ألا وهو لقاء الإنسان، كل الإنسان، مع الله - المخلّص.
  • في زمننا، غاندي معروف أنه رجل صام وصلّى. وقد قال: "تُعلّمني ديانتي أنّه في كلّ بلاء لا يمكن تخفيفه، من الضروري أن نصوم ونصلّي." بالرغم من أن غاندي قد صام وصلّى لأهداف سياسيّة كما هو معروف، فقد آمن بعمق أن الله وحده يستطيع أن يغيّر القلب ونوايا الإنسان، من خلال الصوم والصلاة. لقد آمن أنّ الإنسان، بواسطة الصوم والصلاة، يَتَطهّر من الداخل ويُحرِّر نفسَه من الذنب، وفي الوقت عينه، يعبّر عن التضامن مع أولئك الذين يُعانون.
  • ممّا جاء أعلاه، لا بد من الاستنتاج أن الصوم والصلاة لا ينفصلان تماماً كما الإنسان بأكمله، المكوّن من الروح والنفس والجسد، لا ينفصل.

 

راجع: الأب سلافكو بارباريتش: صوموا من القلب، مركز المعلومات "سلام" مديوغوريه، 2000

(بالإمكان إيجاد هذا الكتاب في محل التذكارات الخاص بالرعيّة في مديوغوريه)

 

 

حكمة الروح القدس

تقول السيّدة العذراء في رسالة 25 أيار 2001:

... أطلبوا حكمة الروح القدس لكي يُرشِدَكُم ...

البحث عن الحكمة مشترك في جميع ثقافات الشرق الأوسط والشرق الأقصى القديمين - مصر وبلاد ما بين النهرين والهند والصين. الحكمة المطلوبة في هذه الثقافات تنطوي دائمًا على غاية عمليّة، وهي التصرّف بطريقة ما من أجل النجاح في الحياة. وقد أدّى هذا دائمًا إلى فهم معيّن للعالم، ومفهوم معيّن للأخلاق، في سياق ديني. في اليونان في القرن السادس قبل المسيح، أصبح هذا أكثر وأكثر مضاربة، فتلك الحكمة تحوّلت إلى فلسفة. كانت الحكمة، بالتالي، عنصرًا مهمًّا في الحضارة القديمة. وقد تُسمّى إنسانيّة العصور القديمة.

في الفكر البيبلي، تأخذ كلمة الله شكل الحكمة، لكن هذا لا يعني أن الوحي يصبح شكلًا من أشكال الإنسانيّة، وهذا واضح بشكل خاص في العهد الجديد.

 

حكمة العهد القديم

أوّل رجل حكيم يذكره العهد القديم هو الملك سليمان: وحكمته لا تأتي من الناس، بل من يهوه، فقد سأله "قلباً فهيماً لِيحكمَ" شعبَه "ويميّزَ بين الخير والشر" (1 مل3، 9). وهكذا ارتَفَعَ سليمان فوق خطيئة جدَّينا آدم وحوّاء، اللذَين – بتحريضٍ من الحيّة – أرادا أن يُصبحا "كالآلهة الذين يعرفون ما هو الجيّد وما هو السيّء" (تك 3، 5)، فأخذا شيئاً حفظه الله، بحكمته، لنفسه.

يرفع أنبياء العهد القديم أصواتهم في وجه الحكمة الخاطئة للمستشارين والكتبة الملكيّين؛ فهم يحوّلون قانون يهوه إلى كذبة، لانقيادهم لاهتمامات إنسانيّة (إر 8، 8؛ اش 29، 15)، يحتقرون كلمة الله، التي هي المصدر الوحيد للحكمة (إر 8، 9). أشعيا يُعلِن مجيء ملك عادل سوف يملك ملء حكمة روح يهوه: "ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم روح المشورة والقوة روح المعرفة وتقوى الرب، ويوحي له تقوى الرب فلا يقضي بحسب رؤية عينيه ولا يحكم بحسب سماع أذنيه، بل يقضي للضعفاء بالبر ويحكم لبائسي الأرض بالاستقامة ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت الشرير بنفس شفتيه، ويكون البر حزام حقويه والأمانة حزام خصره." (أشعيا 11، 1-5) ترفض تعاليم الأنبياء هذه إغراء الخضوع لمشاعر إنسانيّة بالرضا عن الذات: خلاص الإنسان يأتي فقط من الله.

 

نحو الحكمة الحقيقيّة

يؤكّد دمار أورشليم تعاليم الأنبياء: حكمة المستشارين الملكيّين الخاطئة تقود البلاد إلى الدمار! من الآن فصاعداً، تستطيع الحكمة الحقيقيّة أن تتطوّر بحريّة في إسرائيل. أساسها هو شريعة الله، وتاجها هو مخافة الله (مثل 9، 10؛ سي 1، 14-20). من الآن فصاعداً، سيشمل الكتبة في أفكارهم، بعد أن تخلّوا عن ادعاءاتهم المتعجرفة، كلَّ الخير الذي يقدّمه التفكير الإنساني لهم، والذي تستطيع الإنسانيّة أن تطوّره في نور الإيمان.

يسوع – حكمة الله

يعلّم يسوع بطريقة حكماء العهد القديم: فهو يستعمل أسلوبهم، متحدِّثاً بالأمثال والمقارنات. ومثلَهم، يُعطي مبادئ الحياة (العظة على الجبل، متى 5، 6، 7)، لا لينقض الشريعة والأنبياء، بل ليكمِّلَها بالتمام (متى 5، 17). الكثير من التلاميذ تركوه لأن حكمته صعبة "هذا كلام عسير، من يطيق سماعه؟" (يو 6، 60). يعد يسوع تلاميذه بهبة الحكمة (لو 21، 15)، ولكنّ تاجَ أعمالِه كلِّها هو الوعد بالروح القدس، الذي سيُعطى بعد أن يتمجّد يسوع، حتى يتمكّن التلاميذ من فهم تعاليمه بملئها ويستطيعوا أن يطبّقوها ويعيشوها وينشروها. (يو 7، 39؛ 14، 16؛ 16، 13) "إنّه خير لكم أن أذهب. فإن لم أذهب، لا يأتكم المؤيّد. أمّا إذا ذهبت فأرسله إليكم. وهو، متى جاء أخزى العالم على الخطيئة والبر والدينونة." (يو 16، 7-8) "ستجري من جوفه أنهار من الماء الحي. وأراد بقوله الروح الذي سيناله المؤمنون به." (يو 7، 38-39)

يُسلم يسوع روحه، وهو يموت على الصليب. (يو 19، 30) وكراعٍ صالح، يُعطي حياته بحريّة: "ما من أحد ينتزعها منّي بل إنني أبذلها برضاي. فلي أن أبذلها ولي أن أنالها ثانية." (يو 10، 18)

يسوع أكثر من نبي، وأكثر من مسيح، هو خادم يهوه، هو ابن الله وابن الإنسان الذي يجب أن يتألّم ليَنقلَ إلى الناس حكمة الله ومجد الله (اش 52، 13-53، 12)، وليسكب روحه، وهكذا يُظهر حكمةَ مخطّطِ الله الخلاصي كلَّها. "فإن لغة الصليب حماقة عند الذين يسلكون سبيل الهلاك، وأما عند الذين يسلكون سبيل الخلاص، أي عندنا، فهي قدرة الله. فقد ورد في الكتاب: سأبيد حكمة الحكماء وأزيل فهم الفهماء. فأين الحكيم؟ وأين عالم الشريعة؟ وأين المماحك في هذه الدنيا؟ ألم يجعل الله حكمة العالم حماقة؟ فلما كان العالم بحكمته لم يعرف الله في حكمة الله، حسن لدى الله أن يخلص المؤمنين بحماقة التبشير؟ ولما كان اليهود يطلبون الآيات، واليونانيون يبحثون عن الحكمة، فإننا نبشّر بمسيح مصلوب، عثار لليهود وحماقة للوثنيين، وأما للمدعوين، يهودا كانوا أم يونانيين، فهو مسيح، قدرة الله وحكمة الله، لأن الحماقة من الله أكثر حكمة من الناس، والضعف من الله أوفر قوة من الناس. (ا كور 1، 18-25)

"فإذا كنّا نحيا حياة الروح، فلنسر أيضا سيرة الروح!" (غل 5، 25)

 

 

تقول السيّدة العذراء في رسالة 25 تموز 2001:

"...أعطوا روحكم وعيونكم الراحة في الله. جدوا السلام في الطبيعة وستكتشفون الله الخالق... عندها ستجدون الفرح في قلوبكم..."

 

الراحة والعمل

منذ البدء، أعطى الله لإسرائيل الوصية "بتقديس السبت" (خروج 20 ، 8)، لإعطاء المجد لله من خلال الصلاة ووقف كل عمل، ولسببين رئيسيّيْن:

- لأنّ الراحة هي علامة حريّة الإنسان: بتقديس السبت، يتذكّر إسرائيل كيف خلّصه يهوه من العبوديّة المصريّة (تث 5، 15).

 

- لأن الإستراحةَ هي المشاركةُ في خطّةِ اللهِ الخالقِ الخلّاقة: الإنسان الذي يوقف كل نشاط ويمجّد الله يتبعُ الخالقَ الذي يرتاحُ في اليومِ السابع للخلق: "استراح في اليوم السابع..." (تك 2، 2). الراحةُ هي علامةٌ بين يهوه ومؤمنيه: "بيني وبين بني إسرائيل علامةٌ أبديّة..." (خر 31، 17). راحةُ الإنسان تدلُّ على حريّتِه وتبنّيه من قِبل الله: فهي لا تعني فقط التوقفَ عن العمل، بل العيشَ بفرحٍ على صورةِ الله.

 

نحو الراحة في الله

لقد فهم إسرائيل بشكل تدريجيٍّ فقط، الطبيعةَ الروحيّة للراحة، التي أمرَهُ اللهُ بها.

 

أرضُ الميعاد، صورةٌ عن الراحةِ في الله

بعد الخروجِ من عبوديّة مصر، الراحةُ المعلَنةُ في أرضِ الميعاد كانت ثمرة عمليّةٍ طويلةٍ من عبورِ الصحراء وغزو الأرض (سي 21، 43). عندما كرّسَ الملكُ سليمان في النهاية معبدَ أورشليم، هتف: "مباركٌ الربُّ الذي أراحَ شعبَهُ إسرائيل، كما وعد!" (1 ملوك 8، 56). في زمن الملك سليمان، الذي كان "رجلَ سلام"، أعطى اللهُ لشعبه "السلام والهدوء" (1 أخ 22، 9)، وكلُّ شخصٍ يستطيعُ أن يرتاح "تحت كرمتِهِ وتينتِه" (1 مل 4، 25). يهوه نفسه يسكُنُ في المعبد، يجدُ في المعبدِ مكانَ راحتِه (مز 132، 14) ويعطي الراحةَ لأولئك الذينَ يطلُبونَهُ (2 اخ 14، 6).

 

تَذَوُّقٌ مُسبَق للراحة النّهائية الموعودة

بطرقٍ شتّى، اكتشف إسرائيل أفراحَ الراحةِ الروحيّة. في أوقاتِ الاضطهاد (مزمور 55/54)​​، في التجارب (مزمور 16/15)، من خلالِ اختبارِ عدمِ وجوده (مزمور 39/38)، يسألُ كاتبُ المزمور اللهَ أن يعطيَهُ بعضَ الراحة ويتخلّى عن نفسِهِ للراعي الصالح، الذي يُعطيه الراحة (مزمور 23/22). هذه الراحةُ الداخلية تُقدّمُها أيضاً الشريعة: إنَّ السيرَ باستقامةٍ يعني إيجادَ الراحة (إرميا 6، 16). بقيّةُ إسرائيل ستحظى بالراحة ولن يُزعجَها أحد (صفنيا 3، 13)

 

في نشيد الأناشيد، تحلُمُ العروسُ براحةِ منتصفِ النهار في نهاية البحث (نشيد الأنشاد 1، 7). الحكمةُ تعِدُ بالراحةِ أولئك الذين يبحثون عنها: إن يستنتِجِ الحكيمُ أن "قد جاهدت قليلاً فقط، لكنّني وجدتُ الكثير" (سيراخ 51، 27)، فذلك لأن الحكمة تُقيمُ في إسرائيل، التي اختيرت لمكانِ راحتِها (سي24،7-11).

لقد ساعد هذا التَّذَوُّق المسبق للراحة في الله أيوبَ على احتِمال عذاباتِه، على الرغم من أنَّهُ - لكي يتخلّص منها - رغِبَ حتى في إيجادِ الراحةَ في الموت (أيوب 3، 13).

يعلن النبي دانيال أن اكتمالَ الراحةِ الأخيرة سيأتي فقط عندما ينيرُ نورُ القيامة ظلمةَ القبر: "اذهب وخذ قسطَكَ من الراحة، ستنهض من أجل مكافأتك في نهاية الأيام!" (دانيال 12، 13)

 

الراحة والعمل في يسوع المسيح

الراحة والفداء

في النِّزاع مع الفريسيين، يشرحُ يسوعُ المعنى الحقيقي لـ "السبت": "السبت جُعِلَ للإنسان، وليس الإنسانُ ليوم السبت" (مرقس 2، 27)، لإنقاذِ الحياة (3، 4). يجب أن تعني الراحة تحرير الإنسان وتمجيد الخالق. في يومِ السبت، يسوع يشفي ويُخلِّص (لوقا 13، 16) وهكذا يظهر سُلطانَهُ على السبت (متى 12، 8)، لأنَّهُ يُدركُ ما أعلنَهُ السبت: تحريرُ أولادِ الله. لكي ينالَ لنا هذه الراحة، "ليس للفادي مكانٌ ليسنُدَ رأسَه" (متى 8، 20)؛ سوف يستريحُ فقط لحظةَ موتِه على الصليب (يوحنا 19، 30).

 

كشف راحة الله

لكي يبرّر عمله يوم السبت، قال يسوع: "إن أبي يعمل إلى الآن، وأنا أعمل أيضاً" (يو 5، 17). في الله، العمل والراحة لا يستبعد أحدهما الآخر، لكن يعبّران عن الطابع المتسامي لحياة الله؛ إنّها سرٌّ يعلنُهُ كتابُ الحكمة، عندما يتكلّمُ عن الراحةِ في وسطِ العمل (سي 24). المسيح، وأولئك الذين يتبعونه، يذهبون في أيِّ وقتٍ بحثاً عن الخروف الضال (متى 9، 36؛ يو 4، 36)، لأن يسوع يقول لأولئك الذين يأتون إليه: "أنا أُريحكم" (متى 11، 29).

 

الراحة في الفردوس

بحسبِ الرسالةِ إلى العبرانيّين، ملءُ الراحةِ المطلوبةِ من العبرانيين في أرض الميعاد تُعطى لأولئك الذين هم أُمناءُ ليسوع المسيح: "فإنّنا نحنُ الذين آمنّا دخلنا تلكَ الراحة... فإنَّ من يدخلُ راحةَ الله يستريحُ هو أيضاً من أعمالِهِ كما استراحَ اللهُ من أعماله." (عب 7، 3؛ 4، 11)

الراحةُ النّهائية هي السّماء، حيثُ يدخلُ أولئكَ الذين يموتون في الربّ، ترافقُهُم أعمالُهم (رؤ 14، 11)، الراحة في الفردوس، في الواقع، لا تعني التوقُّفَ عن العمل: لكلّ أولئك الذين يؤلّهون الوحش، لن يكون هناك راحةٌ في النهارِ أو في الليل (رؤ 14، 11)، لكنَّ الأحياءَ يتغنّون بمجدِ الله نهاراً وليلاً (رؤ 4، 8)، وهو كمالُ العمل.
.

 

الكمال

تقول السيّدة العذراء في رسالة 25 آذار 2001:

"... أنا معكم، صغاري، وأدعوكم إلى الكمالِ في نفوسِكم وفي كلِّ ما تفعلونَهُ..."

في عظتِهِ على الجبل، كلّم يسوعُ الجموعَ وتلاميذَهُ وقدّم الآبَ السماوي كمِثالٍ للكمالِ يُحتذى به: "فكونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم السماوي كامل."(متى5، 48). في العهد الجديد هذا المبدأ المفاجىء يحلُّ محلَّ وصيّةِ العهد القديم "كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس"(أح 11، 45؛ 19، 2). من هنا، بكلّ تأكيد، يتَجَلّى بوضوح التغييرُ في وجهة النظر.

 

العهد القديم

يتكلّم العهدُ القديمُ عن القداسةِ أكثرَ منهُ عن الكمال. اللهُ قدّوس، ممّا يعني أنّه من مَنزِلةٍ مُختلفةٍ عن مخلوقاتِ هذا العالم؛ إنَّهُ عظيمٌ وقويّ ورهيب (تث 10، 17؛ مز 76)؛ رائعُ الجودة ومُخلص (خر 34؛ مز 136)؛ عادل (مز 99). لا يُدعى "كاملاً": في اللغةِ العبريّة، تُستعمل هذه الكلمةُ فقط للدلالةِ على كائناتٍ مُحدّدة. يتحدّثُ العهدُ القديمُ عن كمالِ أعمالِه (تث 32، 4)، عن وصاياه (مز 19، 8) وعن طُرقِهِ (2 صم 22، 31).

 

عندما يختارُ الله، القدّوس، "شعباً" لنفسه، هذا "الشعب" نفسُهُ يصبحُ قدّوساً. هذا يعني فصلُهُ عمّا هو مدنّسٌ وتكريسُه. في الوقت نفسه، مَوجِبُ الكمال يفرضُ نفسَهُ عليه: على ما هو مكرّس أن يكون سليماً ولا عيبَ فيه، كاملاً جسديًّا (أح 22، 22)، بلا لومٍ أخلاقيّاً – خادماً يهوه بـ "قلبٍ كاملٍ"، بصدقٍ وأمانة (1 مل 8، 61؛ را. تث 6، 5؛ 10، 12)، مُطيعاً الوصايا ومُحارباً ضدَّ الشر (تث 17، 7. 12).

كان اليهودُ الأتقياءُ يبحثون عن الكمالِ من خلالِ مراعاةِ الناموس (مزمور 119).

 

العهد الجديد

يكرّمُ الإنجيلُ هذا الكمالَ المليءَ بالإنتظارات، الذي هو كمالُ والدَيّ يوحنّا المعمدان "الخالي من اللومِ " في إخلاصهِما للناموس (لو 1، 6)، وكمالُ سمعانَ وحنّة (2، 25- 38). مع ذلك، إذا كانت ممارسةُ الناموس مُجامِلة وتتصَنّعُ إغلاقَ الشخص على ذاتِه، عندها تكون فقط كمالاً زائفاً وتُثير معارضةَ يسوع (را. لو 18، 9- 14؛ يو 5، 44)، ولاحقاً بولس (را. رو 10، غل 3، 10).

 

وَفقاً لكلمات يسوع ، ينبغي مراعاة الناموس بطريقة مختلفة. كاشفاً بشكلٍ كلّي أن الله الأقدس هو إله محبة، ويطلب الكمال، الذي يأتي من العلاقةِ مع الله، وهو توَجّهٌ مختلفٌ تمامًا. لا مزيدَ من الأسئلة المطروحة عن النزاهةِ التي يجبُ الحفاظُ عليها؛ لكن فقط عن عطايا الله، عن محبّة الله التي يجبُ قبولُها ونشرُها.

 

يسوع لم يَعُدَّ نفسَهُ "مُستقيماً"، متجنِّباً الاتصالَ بالخطأة: من أجلِهم بالذات قد أتى (متى 9، 12). هو حقيقةً "الحملُ الذي لا عيبَ فيه ولا دنس" (1 بط 1، 19)، الذي سبَقَ وَصْفُهُ في سفرِ الأحبار. مع ذلك، لقد أخذ خطايانا على عاتقِهِ وأهرَقَ دماءه من أجلِ مغفرتِها؛ هكذا أصبحَ كاهنَنا "الكامل" (عب 5، 9)، قادراً على جعلِنا كاملين (عب 10، 14).

 

الكمال في التواضع

من يريدُ الاستفادةَ من الخلاص الذي يحملُهُ (الله) ، عليه أن يعترِفَ بأنَّهُ خاطئ (1 يوحنا 1، 8) ، وأن يتخلى عن أي إمتيازٍ شخصي ويتّكِلَ فقط على نعمتُهِ (فيلبي 3، 7 - 11 ؛ كورنثوس الثانية 12، 9). من دونِ التواضعِ والتجرُّد، لا يستطيعُ أحدٌ أن يتبعَ يسوع (لوقا 9، 23؛ 22، 26 ق). ليس الجميعُ مدعوّين إلى أنواع التخلّي الفعّالِ نفسِها (راجع متى 19، 11 ق ؛ أعمال 5، 4) ، لكن من يريد أن يتقدمَ نحو الكمال ينبغي أن يسيرَ بسخاءٍ على طريقِه؛ الكلمةُ الموجّهةُ إلى الشابِ الغني تلفتُ انتباهَه: "إن أردتَ أن تكون كاملاً إذهب وبِعْ كلَّ ما تملك ... وتعالَ اتبعني" (متى 19، 21؛ راجع أعمال الرسل 4، 36 ق).

 

كمال المحبّة 

الكمالُ الذي دُعِيَ إليه أبناءُ الله هو كمالُ المحبة (كولوسي 3، 14؛ رومية 13، 8 - 10). في فقرة لوقا - بالتوازي مع (متى 5 ، 48) بدلاً من "كامل" ، نقرأ "رحيم" (لوقا 6، 36)، وكلا السياقين يتحدّثان عن المحبّةِ الشاملة، والمحبّة الممتدةِ حتى للعدو وللمضطهِد: على المسيحي أن يحفظَ نفسَهُ من الشر (متى 5، 29 ثانية؛ بطرس الأولى 1، 14 ثانية)، ولكن لكي يكون مثلَ أبيه (متى 5، 45؛ أفسس 5  1 ق)، عليه أن يكون معنيًّا بفاعل الشرّ (راجع رومية 5، 8)، وعليه أن يحبَّهُ، وعليهِ مهما كان الثمن، أن "يغلبَ الشرَّ بالخير" (رومية 12، 21؛ بطرس الأولى 3، 9).

 

إنّهُ لمثيرٌ جداً للإهتمام أن تدعونا العذراء في رسالة 25 آذار 2001 الموجهة الى الرائية ماريا، إلى الكمال، وفي رسالة 18 آذار 2001، التي أعطيت قبل أسبوع واحد فقط إلى الرائية ميريانا، بمناسبة ظهورِ العذراء السنوي لها، تدعونا سيّدتُنا إلى الحب والرحمة. "اليوم أدعوكم إلى المحبة والرحمة. امنحوا الحب بعضكُم لبعض كما يعطيكم إيّاه  أبوكم. كونوا رحومين (توقُّف) - من القلب . ... كلُّ رحمة تنبثقُ من القلب تجعلكُم أقرب إلى ابني."

 

الكمال والتقدّم

هذا الكرمُ المنتصرُ لا يعدُّ نفسَهُ البتّة مُكتَفياً بالنتيجة التي أحرزَها. آنذاكَ فصاعدًا، ترتبطُ فكرةُ التقدم بفكرةِ الكمال. كان تلاميذُ المسيح يجاهدون دائمًا لإحراز التقدم، للنموِّ في المعرفةِ والمحبّة (فيلبي 1، 9)، حتى عندما أصبحوا مسيحيين (في اليونانية: "الكاملين" - 1 كورنثوس 2، 6؛ 14، 20؛ راجع فيلبي 3، 12، 15).

 

الكمال والمجيء

إنّهم لا يكُفّون أبداً عن الاستعدادِ لمجيءِ سيّدهم، آملينَ في أن يسمحَ اللهُ لهم بأن يوجدوا بلا لومٍ في ذلك اليوم (تسالونيكي الأولى 3، 12 ق). لقد أرادوا أن يستجيبوا لرغبةِ المسيح الذي يقدمُ لنفسِهِ كنيسة "في بهاء ..." (أفسس 5، 27)؛ متناسينَ ما وراءهم، ومُمتدّينَ إلى ما أمامَهم (راجع فيلبي 3، 13)، من أجل "بلوغِ وحدةِ الإيمان ومعرفةِ إبن الله، ونضوجِ البشرية الى حدِّ ملء قامة المسيح"(أفسس 4، 13).

(را. كزاﭬييه ليون-دوفور، قاموس اللاهوت الكتابي)

 

 

طلب الله

تقول السيدة العذراء في رسالة 25 حزيران 2001:

"... أطلبوا الله من خلالي ..."

جاء في سفر الجامعة: "مهما تعبَ الإنسانُ في الطلب فلا يجدُهُ." (جا 8، 17)، بينما يُعلن يسوع: "من يطلب يجد." (متى 7، 8). الإنسان في أعماق قلبه يبحثُ دائماً عن الله، لكن بحثَهُ غالباً ما يضيع. لذلك، يحتاجُ إلى مساعدةٍ دائمة في سعيِه.

يُدرِكُ الإنسانُ خلال بحثِهِ عن الله، أنّه ما كان لِيطلبَه، لو أن الله لم يطلبْهُ أوّلاً، ولو أنَّهُ لا يبحثُ عنه باستمرار، مُظهِراً هذا البحث من خلال تاريخ الأشخاص المختارين ونداءات الأنبياء والقدّيسين، من خلالِ ظهوراتِ مريم... في هذا البحث، كان الله كاملاً وشاملاً: لقد ضمَّنَ الماضي والحاضر والمستقبل جميعًا في تجسُّدِ يسوع المسيح.

 

البحث عن الله

في الأصل كان المقصودُ "بطلبِ الله" أو "طلب كلمة الله" إستشارةُ الله، غالباً من خلال تأمّلِ كاهنٍ لاويّ أونبي. فَقَالَ مُوسَى لِحَمِيهِ: "إِنَّ الشَّعْبَ يَأْتِي إِلَيَّ لِيَسْأَلَ اللهَ.إِذَا كَانَ لَهُمْ دَعْوَى يَأْتُونَ إِلَيَّ فَأَقْضِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَصَاحِبِهِ، وَأُعَرِّفُهُمْ فَرَائِضَ اللهِ وَشَرَائِعَهُ". (خر 18، 15-16). "قِفْ عِنْدَ مُحْرَقَتِكَ، فَأَنْطَلِقَ أَنَا لَعَلَّ الرَّبَّ يُوافِي لِلِقَائِي، فَمَهْمَا أَرَانِي أُخْبِرْكَ بِهِ". (عد 23، 3). 

قد تتضمنُ طريقةُ البحثِ عن الله هذه، مخاطرَ الخرافات والرغبةَ في استخدامِ الله لتحقيقِ أهدافِ المرءِ الشخصيّة. من يطلب الله حقًا لديه رغبة واحدة: "واحدة سألت الرب وإياها ألتمس: "أن أقيم ببيت الرب جميع أيام حياتي...بِكَ نطقَ قلبي، وجهَكَ يا ربُّ ألتمس. (مزمور 27 ، 4.8) "طلب الله" يعني أيضًا تكريمه بطريقة صحيحة ومقاومة عبادة الآلهة الباطلة (تثنية 4، 15-31).

 

إنَّ رفضَ الآلهةِ الباطلةِ يتطلّبُ الإرتداد: إنّه موضوعُ الأنبياءِ الدائم. ليس هناك من سعيٍ الى الله، إن لم يطلبِ المرءُ الحقَّ والعدل. يقولُ عاموس: "أطلبوني فتحيَوا" (عا 5، 4. 14) يقولُ أشعيا: "إلتمسوا الربَّ ما دام يوجد أُدعوه ما دام قريباً. ليتركِ الشريرُ طريقَهُ والأثيمُ أفكارَهُ وليرجعْ إلى الربِّ فيرحَمَهُ وإلى إلهِنا الكثيرِ الغفران." (اش 55، 6- 7)

علينا طلَبُ الله "بكلِّ قلبِنا وبكلِّ نفسِنا" (تث 4، 29؛ ار 29، 13). يقول يسوع الشيءَ نفسَه: "لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ." (متى6، 33)

 

البحثُ الحقيقي والبحثُ الباطل

حتى في إسرائيل، كان البحثُ عن الله ملطّخًا بإجلالِ الآلهةِ الباطلة، مثل البعل (الملوك الثاني 1، 2) ، وبتشوُّهاتٍ أخرى: طلبِ المشورةِ من رؤاةٍ عديدين، واستدعاءِ الموتى حتّى (لاويين 19، 31 ؛ تثنية 18، 11؛ 1 صموئيل 28، 7؛ إشعياء 8، 19). كثيرون استرسلوا في نسيان الشروط الأساسية: لقد أصبحوا شعباً يطلُبُ العدالة ولكنه ينسى ما هو حقّ (راجع إشعياء 58، 2).

لهذا يقول أشعيا لشعبه: "إنَّ ذنوبَكم تفرّقُكم عن إلهِكم" (أشعيا 59، 2). إن الطلبَ الحقيقي للّه يحدثُ في بساطةِ القلب (الحكمة 1، 1)، في التواضعِ والفقر (صفنيا 2، 3؛ مزمور 22، 27)، بقلبٍ مُنسحِقٍ وروحٍ  متواضعة (تثنية 3، 39). عندها يسمحُ الله بأن نلمُسَ وجودَه (إرميا 29، 14) ، ولهذا يقولُ صاحبُ المزمور: "أنظروا أيها المتواضعون وافرحوا. أنتم يا من تطلبونَ الله فلتفرحْ قلوبُكم!" (مزمور 69 ، 33)

 

إنّ يسوعَ المسيح الذي يعرفُ مقاصدَ القلبِ هو نقطةُ التمييزِ بين طلبِ الله الصادقِ والباطل. منذ اللحظةِ التي جاء فيها إلى العالم، طلبُ اللهِ وطلبُ المسيحِ أصبحا واحدًا والأمرَ نفسَه.

لمعرفة يسوع المسيح ولربحه (فيلبي 3، 8، 12)، بولس مستعدٌّ للتخلي عن كل شيء، أولاً وقبل أيِّ شيء، عن بِرِّهِ، ليسمح لنفسه أن يستحوِذَ المسيح عليه من خلال الإيمان. طلبُ المسيحِ يستمرُّ  بعد صعوده، في "طلب ما هو فوق" (يوحنا 13، 33؛ كولوسي 3، 1).

 

الله يطلبُ الإنسان

يدركُ الإنسان خلالَ بحثِهِ عن الله، أن الله سعى إليه أولاً (يوحنا الأولى 4، 19)، وأنَّهُ يجذبُنا إليه بواسطةِ ابنِهِ (يوحنا 6، 44). في مبادرةِ نعمةِ الله هذه، نحنُ ندركُ أن الموضوعَ الرئيسيَّ العابرَ الكتابَ المقدسَ بأكملِهِ، هو موضوعُ الحب، السِّمةُ الأعمق لقلبِ الله.

يريدُ اللهُ مُخاطبةَ قلوبِ البشر (هوشع 2، 15) ، ويذهبُ بنفسه بحثًا عن قطيعه وفي طلَبِ الخروفِ الضال (حزقيال 34، 5 س؛ 34، 12. 16)، إنَهُ يحبُّ عروسَهُ بشَغَف (نشيد الأناشيد 3، 1- 4؛ 5، 6؛ 6، 3).

 

أظهرَ لنا ابنُ الله إلى أي مدى يذهبُ هذا الحب: "لأنَّ ابنَ الإنسان جاءَ ليطلبَ ويخلّصَ ما ضاع." (لوقا 19، 10) ويعلن أنّه سيأخذ لنفسه أولئك الذين ينتمون إليه، "حتى حيثُ أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يوحنا 14، 3).

 

را. مفردات اللاهوت الكتابي